المنتدى الثقافي والمعرفي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المنتدى الثقافي والمعرفي

منتدى لتبادل الآراء وتقاسم المعلومات
 
الرئيسيةالرئيسية  اليوميةاليومية  أحدث الصورأحدث الصور  س .و .جس .و .ج  بحـثبحـث  الأعضاءالأعضاء  المجموعاتالمجموعات  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 أثر الإسلام في الحياة الأدبية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 191
تاريخ التسجيل : 16/05/2022

أثر الإسلام في الحياة الأدبية  Empty
مُساهمةموضوع: أثر الإسلام في الحياة الأدبية    أثر الإسلام في الحياة الأدبية  Emptyالإثنين مايو 16, 2022 11:25 pm

أثر الإسلام في الحياة الأدبية


أحدث ظهور الإسلام تحولاً جذرياً في حياة الأمة العربية ونقلها من طور التجزئة القبلية إلى طور التوحد في إطار دولة عربية تدين بالإسلام وتتخذ القرآن الكريم مثلاً أعلى. وكان لابد لهذا الحدث العظيم من أن يعكس صداه القوي في الحياة الأدبية لهذه الأمة. شعراً ونثراً ومن الطبيعي أن النتاج الأدبي للأمة يتفاعل مع البيئة التي تظله ويخضع لمؤثراتها.[1]
وحين تُرصد الظواهر الأدبية في صدر الإسلام يتبين بجلاء ما تركه الإسلام من بصمات واضحة في مسيرة الأدب عصرئذ وفي سماته وخصائصه. ومن أبرز آثاره ضمور فنون أدبية كانت مزدهرة في العصر الجاهلي وظهور فنون جديدة أو تطور فنون قديمة. فقد قضى الإسلام على سجع الكهان الذي كان مرتبطاً بالوثنية الجاهلية ونهي الخطباء عن محاكاة ذلك السجع في خطبهم، وظهر لون من الخطابة يستقي من ينابيع الإسلام. وأخذ الشعراء يعزفون عن النظم في الأغراض التي كانت حياة العرب في الجاهلية تدعو إليها. واتجهوا إلى أغراض دعت إليها البيئة الإسلامية كشعر الجهاد والفتوح والشعر الديني، وأصبح شعرهم يدور حول معان تتصل بالقيم والمثل الإسلامية. وقد أوجد الإسلام مبادئ خلقية تلائم تعاليمه وروحه فانعكست هذه المبادئ في النتاج الأدبي عصرئذ.
وقد راجت مقولة تذهب إلى أن الإسلام وقف من الشعر والشعراء موقفاً مناهضاً مثبطاً، استناداً إلى قوله تعالى: {والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون} (الشعراء: 224-226). وتصحيحاً لهذه المقولة ينبغي التوضيح أن الشعراء الذين تناولتهم الآيات القرآنية إنما هم الشعراء الذين كانوا يحرضون على الفتنة، ويخوضون في الإفك والباطل، والذين كانوا يتصدون لهجاء الرسول عليه السلام والمسلمين، وليس المقصود الشعراء كافة، ولهذا استثنى تعالى الشعراء الذين لا تصدق عليهم الآيات السابقة بقوله بعدها: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعدما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} (الشعراء 227). وكان الرسول محمد يميل إلى سماع الشعر الجيد، وكان يشجع حسان بن ثابت وشعراء الأنصار على مهاجاة شعراء المشركين، وكان يقول لحسان: «اهجهم وروح القدس معك»، فهو إذاً لم يدع إلى التخلي عن الشعر وإنما كان يقف موقفاً مناهضاً من الشعر الذي ينافي المبادئ والقيم الإسلامية، وقد أثر عنه حديث في إطراء الشعر وهو قوله: «إن من الشعر حكمة» (صحيح مسلم).
وكان للإسلام يد لا تنكر في ازدهار النثر الأدبي، ولاسيما الخطابة والترسل، فقد أصبحت الخطابة وسيلة لنشر الدين والوعظ وبيان مبادئ الإسلام والحض على الجهاد والدعوة إلى مكارم الأخلاق وبيان خطة الحكم، وكان الرسول محمد وخلفاؤه خطباء مفوهين، وكذلك كان جل عمالهم وقوادهم. وقد دعا قيام الدولة الإسلامية واتساع سلطانها إلى الاستعانة بالكتابة والكتاب، وكانت الكتابة محدودة الانتشار في العصر الجاهلي فاتسع لها المجال في صدر الإسلام وأقبلت الناشئة على تعلم الكتابة.
الفنون الأدبية في صدر الإسلام
ظل الشعر يتبوأ المنزلة الأولى في صدر الإسلام، شأنه في العصر الجاهلي، ولكن تطوراً جاداً ألمَّ به من حيث الأغراض والمعاني. فقد أوجد الإسلام أغراضاً جديدة كشعر الجهاد والفتوح والزهد والوعظ والشعر السياسي.
وتضاءل شأن طائفة من أغراض الشعر التي كانت سائدة في الجاهلية كالشعر القبلي القائم على العصبية القبلية والمتصل بالأيام والوقائع والمفاخرات والشعر المتصل بالغزو والغارات. فقد ألغى الإسلام دواعي الشعر القبلي حين وحد القبائل العربية في أمة واحدة، تسوس أمورها دولة واحدة، وانصرف شعراء الحواضر إلى أغراض تلائم بيئتهم المترفة فاتجهت طائفة منهم إلى الشعر الغزلي الذي بلغ الغاية من التألق والازدهار في عصر بني أمية، واتجهت طائفة أخرى إلى الشعر الديني والوعظي.
وإلى جانب الشعر أخذت الخطابة تثبت أقدامها لحاجة المسلمين إليها عصرئذ، وبدأت تسير في طريق النماء والنضج بشتى أنواعها وفي حين توارى سجع الكهان ظهرت مكانة الخطابة الدينية، فكان الرسول e يخطب في المسلمين موضحاً لهم شؤون عقيدتهم. وجاء الخلفاء الراشدون بعده فساروا على نهجه، وكانوا يعظون المسلمين في خطبهم ويحضونهم على مكارم الأخلاق. وقد احتلت الخطابة الدينية المنابر وحلقات المساجد منذ ذلك العصر، وكثر الوعاظ والقصاص.
وفي الوقت عينه ظهرت الخطابة السياسية التي تدور حول شؤون الحكم وسياسة الرعية، واستخدمت أول الأمر فيما نشب من خلاف بين المسلمين حول الخلافة إثر وفاة الرسول e، فكانت الخطب التي ألقيت في سقيفة بني ساعدة باكورة الخطب السياسية. وبعد مقتل عثمان وافتراق المسلمين إلى شيعتين إحداهما تناصر علياً والثانية تناصر معاوية بن أبي سفيان عظم شأن الخطابة السياسية، على أن هذه الخطابة لم تتألق وتزدهر إلا في العصر الأموي.
وإلى جانب هذين اللونين من ألوان الخطابة ظلت للخطابة الحفلية مكانتها، ولاسيما خطب الوفود، فإذا وفد قوم على الرسول محمد أو على خلفائه من بعده أحضروا معهم خطباءهم ليتحدثوا بلسانهم ويفاخروا بهم.
وفن ثالث بدأ يحبو في عصر صدر الإسلام ويخطو خطواته الأولى في طريق النضج هو فن الترسل، فإن قيام الدولة الإسلامية استدعى وجود كتاب يوجهون الرسائل إلى العمال والقبائل في مختلف أقطار الدولة، فكان للرسول كتابه كما كان لخلفائه وولاتهم من بعده كتابهم. ومن الكتاب الذين استعان بهم الرسول محمد لكتابة الوحي وكتابة الرسائل علي ابن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبان بن سعيد، وخالد بن سعيد، والعلاء بن الحضرمي، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت.
ومن الرسائل المهمة في تلك الحقبة رسالة عمر بن الخطاب التي أرسلها إلى أبي موسى الأشعري في بيان أحكام القضاء بين المسلمين.
خصائص الأدب في صدر الإسلام
لم يطرأ على الشعر كبير تغيير في صدر الإسلام من حيث أساليبه وطرائقه الفنية لأن الشعر فن يقوم على المحاكاة، فالشاعر يحتذي خطا أسلافه. وفي الغالب كان الشاعر يتتلمذ لشاعر مشهور فيكون راوية له ويأخذ عنه طريقته ويحاكيه في أسلوبه. فنجد مثلاً الحطيئة يقر بسيره على نهج زهير بن أبي سلمى والشعراء الذين كانوا يأخذون شعرهم بالتنقيح والتحكيك.
يضاف إلى ذلك أن الكثرة من شعراء صدر الإسلام كانوا من مخضرمي الجاهلية والإسلام، ومن هؤلاء الحطيئة وكعب بن زهير والخنساء وحسان بن ثابت وكعب بن مالك والعباس بن مرداس] وأبو ذؤيب الهذلي وحميد بن ثور والشماخ بن ضرار. وهؤلاء الشعراء كان لهم أسلوبهم وطرائقهم المميزة منذ العصر الجاهلي، ولم يكن من اليسير أن يغيروا في ظل الإسلام هذه الأساليب، ومن هنا لا يجد الباحث فارقاً ذا شأن في الناحية الفنية بين شعرهم في الجاهلية وشعرهم في الإسلام.
والتطور الذي طرأ على شعرهم منذ الإسلام إنما يتجلى في المعاني والأغراض. فقد استحدثت أغراض جديدة وضمرت أغراض قديمة وأمد الإسلام هؤلاء الشعراء بزاد ثر من المعاني والأفكار. على أن أثر العقيدة الإسلامية لم يكن واحداً لدى هؤلاء، فمنهم من نفذت العقيدة الجديدة إلى أعماقهم فانعكست في معانيهم وأغراضهم، شأن حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة والعباس بن مرداس مثلاً ومنهم من كان أثرها ضئيلاً في نفوسهم ونتاجهم الشعري، شأن الحطيئة مثلاً. ومهما يكن من أمر فإن المعاني الإسلامية أثرت بدرجات متفاوتة في شعر صدر الإسلام.
أما النثر الأدبي في هذه الحقبة فكان أمره مختلفاً عن الشعر. فالنثر أكثر استجابة لدواعي التطور من الشعر، ومن هنا كان النثر الإسلامي أفضل تصويراً للحياة الإسلامية من الشعر، فضلاً عن أن القرآن الكريم كان معجزة بلاغية ألقت ظلالها على نتاج الخطباء والمرسلين فطبع بطابع إسلامي واضح القسمات، فكان النثر في هذه الحقبة إسلامياً، سواء في سماته الفنية أو في أغراضه ومعانيه. ومن أظهر الآثار الإسلامية في نثر تلك الحقبة حرص الخطباء على استهلال خطبهم بذكر اسم الله وحمده والصلاة على نبيه، وتضمين خطبهم بعضاً من آي القرآن، حتى لقد سموا الخطبة بتراء إن لم تبدأ بذكر اسم الله وحمده، وسموها شوهاء إن هي خلت من آي التنزيل. هذا إلى جانب الاستمداد من المعاني الإسلامية والقرآنية، ومحاكاة الأسلوب القرآني والاستعانة بالصور والأمثال القرآنية. وما وجد في الخطابة يصدق كذلك على الرسائل والنثر عامة إبان تلك الحقبة.
وقد حاول الخطباء وكتاب الرسائل تجنب بعض السمات التي عرفها النثر الجاهلي، والسجع خاصة، كراهة محاكاة سجع الكهان.
على أن النثر الأدبي ظل بوجه عام وفياً للأعراف المستمدة من الطريقة العربية المتوارثة من حيث إيثار الإيجاز في العبارة وتجنب التكلف والزهد في الزخرف والحلية اللفظية ووضوح المعاني وتوخي الجزالة والرصانة في الأسلوب.
أعلام الشعراء والخطباء في صدر الإسلام
حفل عصر صدر الإسلام بعدد وفر من الشعراء، جلهم من المخضرمين ومن أشهرهم: الحطيئة العبسي الذي أجاد فني المديح والهجاء، وحسان بن ثابت شاعر الرسول عليه السلام والمنافح عنه، وهو أول من تناول الشعر السياسي بمعناه الدقيق، والخنساء السلمية التي ظلت تبكي أخويها صخراً ومعاوية في الإسلام، صنيعها في الجاهلية، وأبو ذؤيب الهذلي الذي اشتهر بقصيدته العينية في رثاء بنيه، والشماخ ابن ضرار، وكان أوصف الشعراء للقوس وحمار الوحش، وكعب بن زهير صاحب قصيدة «بانت سعاد» في مديح الرسول محمد، وكعب بن مالك الأنصاري الذي وقف إلى جانب رسول الله وناضل عنه بشعره، وعبد الله بن رواحة وكان كذلك من شعراء الأنصار الذين هاجوا شعراء المشركين وقد استشهد في وقعة مؤتة، وحميد بن ثور العامري، وكان من الشعراء الذين أجادوا الغزل، ومعن بن أوس المزني، وله أبيات جياد في صلة الرحم، والنابغة الجعدي، وقد ذكروا أنه عمر طويلاً وكان ممن جانب الخمرة وهجر الأوثان في الجاهلية، وعبدة ابن الطبيب التميمي الذي شارك في قتال الفرس أيام عمر بن الخطاب وله مرثية غاية في الجودة قالها في قيس بن عاصم المنقري، وعباس بن مرداس السلمي، وكان من فرسان بني سليم وشعرائهم المشهورين في الجاهلية والإسلام، والمخبل السعدي وقد عمر طويلاً وكان من شعراء الهجاء المبرزين، وأبو محجن الثقفي، وكان من المستهترين بشرب الخمرة المجيدين في وصفها، والحارث بن الطفيل الدوسي الأزدي وكان من فرسان قومه المشهورين، وأبو الطمحان القيني، وكان في الجاهلية فارساً صعلوكاً فلما أسلم لم تتشرب نفسه الإسلام.
وفي ميدان الخطابة كان الرسول محمد أول خطباء هذه الحقبة وكذلك كان خلفاؤه من الخطباء المفوهين، ولاسيما علي بن أبي طالب الذي جمعت خطبه في كتاب نهج البلاغة وكذلك كان جل الولاة والقواد يجيدون الخطابة.
العصر الأموي
الحياة الأدبية في العصر الأموي والعوامل المؤثرة فيها
•  مقالة مفصلة: الدولة الأموية
أدى قيام الدولة الإسلامية إلى ظهور أدب إسلامي يغاير في كثير من خصائصه الأدب الجاهلي، بيد أن قصر حقبة صدر الإسلام (1هـ، 40هـ) لم يتح لهذا الأدب أن يمد جذوره وأن تنضج سماته الجديدة، فلما كان العصر الأموي أتيح لهذا الأدب الجديد أن يزدهر وأن تتضح قسماته، وساعدت على هذا التطور عوامل كثيرة سياسية واجتماعية ودينية.
وأبرز المؤثرات في الحياة الأدبية عصرئذ كانت المؤثرات السياسية. فقد نقل الأمويون حاضرة ملكهم إلى بيئة جديدة تغاير بيئة الحجاز هي الشام. وأسسوا ملكاً وراثياً يتداول فيه بنو أمية الحكم من دون سواهم ويقمعون كل معارضة تنزع إلى سلبهم ملكهم، وكان لجل خلفاء بني أمية مقدرة سياسية تجعلهم مهيئين لتولي مقاليد الحكم. وقد قوبل نزوع بني أمية إلى الاستئثار بالأمر بمعارضة عنيفة من طوائف من رعيتهم، منهم الخوارج الذين كانوا يريدون الخلافة شورية لا تكون وقفاً على قريش وحدها بل يتولاها كل من تتوافر فيه المؤهلات المطلوبة ولو كان عبداً حبشياً. ومنهم الشيعة الذين كانوا يرون آل البيت أحق بتولي الأمر من جميع بطون قريش ومن جميع المسلمين ويجعلون الإمامة أمراً إلهياً، فالله اختار نبيه والنبي محمد اختار وصيه علياً، وكل إمام يوصي لمن يليه، وقد اتهموا بني أمية بأنهم افتأتوا عليهم وغصبوهم حقهم الشرعي. على أن حزبي الخوارج والشيعة ما لبثا أن انقسما إلى فرق تختلف فيما بينها في طائفة من المعتقدات، فانقسم الخوارج إلى أزارقة - وهم أشدهم تطرفاً - وإباضية، ونجدات، وصفرية، وفرق أخرى أقل شأناً، وانقسم الشيعة إلى إمامية اثني عشرية، وإمامية سبعية (إسماعيلية)، وكيسانية، وزيدية. وقد قام كل من الخوارج والشيعة بثورات متصلة طوال العصر الأموي ولكنهم لم يستطيعوا تحقيق نصر حاسم لتفرق كلمتهم وقلة عددهم، ولكن ثوراتهم أدت إلى زعزعة أركان الحكم الأموي. ومن هذه الطوائف كذلك جماعة عبد الله بن الزبير الذي كان يرى أنه أحق بالخلافة من يزيد بن معاوية، وقام بينه وبين بني أمية نزاع دموي استمر عشر سنوات وانتهى بمقتله والقضاء على أصحابه سنة 73هـ. ومن هذه الطوائف من ثار على بني أمية لعدم رضاهم عن سياسة أميرهم، فثار عبد الرحمن ابن الأشعث على الحجاج ثورة كادت تزلزل أركان الحكم الأموي ولكنه أخفق في تحقيق النصر وانتهى الأمر بموته منتحراً، وثار يزيد بن المهلب على يزيد بن عبد الملك وانتهى أمره بمقتله.
ومن أهم ثورات الخوارج التي تمخض عنها عصر بني أمية ثورات الأزارقة الذين كانوا أشد الخوارج تطرفاً وتشدداً، وقد قتل زعيمهم نافع ابن الأزرق في موقعة دولاب مع أهل البصرة. وتوالت ثوراتهم بعد ذلك واستطاع القائد المحنك المهلب ابن أبي صفرة أن يبعد خطرهم ويصد حملاتهم وأن يقضي عليهم آخر الأمر. وفي الوقت عينه كان الخوارج الصفرية يشنون حملات عنيفة على مدينة الكوفة يقودهم الخارجي شبيب بن يزيد. وقد استطاع هذا الخارجي أن يهزم جيوشاً كثيرة أرسلها إليه الحجاج. بل لقد استطاع دخول الكوفة ومعه زوجه غزالة الحرورية، واضطر الحجاج أن يستنجد بعبد الملك الذي وجه لنجدته جيشاً من أهل الشام، وأخيراً هلك شبيب وزوجه وأخوه في موقعة على مشارف الكوفة. وفي أواخر العصر الأموي قام الخارجي الضحاك بن قيس الشيباني بحملة على الكوفة في جمع غفير من الخوارج واستطاع الاستيلاء عليها ولكنه هزم بعدئذ في موقعة مع جيش وجهه إليه مروان بن محمد وانتهى الأمر بمصرعه. ولم تكد ثورته تنطفئ حتى انطلق الخوارج الإباضية من بلاد اليمن إلى الحجاز واستطاع قائدهم أبو حمزة الخارجي أن يستولي على مكة والمدينة ولكنه لم يستطع أن يصد الجيش الذي وجهه إليه مروان بن محمد من الشام فقتل في موقعة بوادي القرى.
وعلى الرغم من إخفاق ثورات الخوارج فإن ثوراتهم المتصلة كانت من أقوى الأسباب في إضعاف الحكم الأموي وجعله عاجزاً عن الوقوف في وجه أنصار الدعوة العباسية.
وكانت ثورات الشيعة أقل خطراً من ثورات الخوارج، فقد أعلن الحسين بن علي خلافه على يزيد بن معاوية ولما قدم بآل بيته إلى الكوفة تخلت عنه شيعته فانتهى أمره بالقتل ومعه جل آل بيته. وكذلك أخفقت ثورة التوابين في إحراز نصر حاسم على بني أمية. واستطاع المختار الثقفي أن يستولي على الكوفة وأن يهزم جيش أهل الشام ولكنه لم يستطع التغلب على جيش مصعب بن الزبير وقتل. وكذلك أخفقت ثورة زيد بن علي بالكوفة لخذلان أهل الكوفة إياه فقتل وصلب كما قتل ابنه يحيى بعد ذلك.
ويتصل بالمؤثرات السياسية حركة الفتح الإسلامي التي بلغت أوجها في ذلك العصر، وقد استطاع الفاتحون المسلمون أن يمدوا حدود الدولة الإسلامية في حقبة قصيرة إلى أقصى المغرب وإلى بلاد الأندلس ومشارف بلاد الروم، وامتدت فتوحهم شرقاً إلى بلاد فارس وسجستان وخراسان وما وراء النهر وبلاد السند، فكان الفتح الإسلامي أسرع فتح عرفه التاريخ، وكان العرب الفاتحون حين يبسطون سلطانهم السياسي ينشرون معه عقيدتهم ولغتهم وأدبهم، كما كانوا يتأثرون بحضارة الأمم التي بسطوا سلطانهم عليها وبأدبها وعاداتها الاجتماعية. وقد أدت الفتوح إلى امتلاء أيدي الفاتحين بالفيء والأموال وأدى هذا إلى اختلاف نمط حياتهم اختلافاً بيناً عما كانت عليه يوم كانوا يعيشون حياة التقشف والضيق في جزيرتهم.
فكذلك وجد للأدب العربي في عصر بني أمية بيئات جديدة غير بيئة الجزيرة العربية، مهده الأول، فتلون الأدب بألوان هذه البيئات وتأثر بها، فكان لبيئات الشام والعراق وخراسان ومصر والمغرب والأندلس أثرها القوي في الحياة الاجتماعية والفكرية والأدبية.
ومن المؤثرات الاجتماعية في الحياة الأدبية كذلك ظهور طبقة الموالي التي كانت في تكاثر مستمر سواء من طريق الفتوح أو الشراء، وكان لا مفر من أن يكون لوجودها أثر واضح في المجتمع العربي كما كان لها أثر في الحياة الأدبية. فقد حذقت طوائف من الموالي اللغة العربية لنشأتهم بين ظهراني مواليهم العرب، ووقفوا على التراث الأدبي وما لبثوا أن شاركوا في الحياة الأدبية فظهر منهم الكتاب والشعراء. على أن بني أمية كانوا يقمعون أية محاولة يقوم بها الموالي لإبراز هويتهم القومية أو لرفع أصواتهم بنائرة العصبية المعادية للجنس العربي، فظلت الكلمة الأولى للعرب طوال ذلك العصر، على نقيض ما حدث في العصر العباسي.
ولئن أفلح بنو أمية في قمع العصبية القومية فإنهم لم يفلحوا في إخماد جذوة العصبية القبلية التي استعرت في ذلك العصر وبرزت على نحو أعنف وأبعد أثراً مما كانت عليه في العصر الجاهلي، وكان استعارها بفعل عوامل شتى اجتماعية وسياسية واقتصادية. وقد ظهرت في ذلك العصر التكتلات القبلية الواسعة فاحتدم الصراع بين العدنانية والقحطانية، كما نشب الصراع في إطار كل من هاتين الكتلتين. وقد تركت هذه الفتن القبلية صداها القوي في الحياة الأدبية، وفي الشعر خاصة، فنشط فن المناقضات وكثرت المفاخرات القبلية. ووقف الشعراء والخطباء وراء احتدام هذه العصبيات فكان الشعراء يلتقون في المربد والمحافل فيتفاخرون ويتهاجون والناس حلق حولهم وكل فئة تتعصب لشاعرها فتزداد نار العصبية بذلك اتقاداً.
وثمة عامل آخر كان له أقوى الأثر في الحياة الأدبية عصرئذ هو البلاط الأموي، وموقفه من الشعراء والخطباء. وكذلك موقف ولاة بني أمية منهم. فقد دأب خلفاء بني أمية وولاتهم على إكرام الشعراء الذين ينتجعونهم فأغدقوا عليهم الأموال بسخاء، فلا غرو أن يتجه الشعراء إلى فن المديح ويجعلوه فنهم الأول، وأن يتزاحم فحول الشعراء على أبواب الخلفاء والولاة يمدحونهم ويبالغون في إطرائهم ليظفروا بالعطايا والصلات، فإذا بفن المديح - الذي كان الجاهليون ينظرون إليه على أنه فن يزري بقائله - يغدو الفن الأول في الشعر العربي، وإذا بالشعراء المداحين يتنافسون في التقرب إلى أولي الأمر ليحظوا بالمال والشهرة فيخرج الشعر بذلك عن مساره الحق ويسلك مساراً آخر يبعد عن الصدق والأصالة.
وفي الميدان الفكري تظهر مؤثرات تتجه بالفكر العربي وجهات لا عهد له بها وتثير قضايا لم تخطر له من قبل، فيثور الجدل بين المسلمين في شؤون عقدية كالقضاء والقدر وحرية الإرادة والثواب والعقاب والكبائر ونحوها وتظهر الفرق الكلامية كالقدرية والمعتزلة والجهمية والمرجئة وغيرها ويشغل المسلمون بالجدل في هذه الأمور ويتلون الأدب الأموي من جراء ذلك بألوان فكرية تخصبه وتوسع آفاقه.


الفنون الأدبية في العصر الأموي
بلغت الفنون الأدبية التي سبق الحديث عنها في صدر الإسلام مستوى رفيعاً من النضج والنماء في العصر الأموي وهي: الشعر والخطابة والكتابة، وذلك لتضافر الكثير من العوامل.
الشعر
اتجاهات الشعر في العصر الأموي: بظهور الأحزاب السياسية في العصر الأموي ظهر لون جديد من الشعر لا عهد للعرب به من قبل هو الشعر السياسي، فكانت الأحزاب المصطرعة على الحكم تستعين بشعرائها لتأييد دعوتهم ومبادئها ومنافحة خصومها، فكان لكل من الأمويين والخوارج والشيعة والزبيرية ومعارضي الحكم الأموي عامة شعراؤهم الناطقون بلسانهم، الذائدون عنهم. وقد بلغ الشعر السياسي من جراء هذا الصراع غايته من الارتقاء والانتشار حتى كاد الطابع السياسي يغلب على جل الشعر المقول عصرئذ، وكان الشعر أمضى الأسلحة في مناهضة الأعداء والذود عن مبادئ الجماعة السياسية في ذلك العصر، ومن هنا كان بنو أمية حراصاً على اصطناع الشعراء المجيدين وإغداق الأموال عليهم.
وكان شعراء الحزب الأموي أكثر شعراء العصر الأموي احتفالاً بتنقيح شعرهم وتهذيبه والعناية بالبناء الفني لقصائدهم ليأتي شعرهم في الصورة المكتملة فنياً إرضاء لممدوحيهم، ولكن شعرهم كان في جله يخلو من الصدق لأن الدافع إلى قوله كان الرغبة في العطاء، ولهذا لا يدهش الباحث أن يرى بعض شعرائهم ينقلبون على ممدوحيهم إذا قلب لهم الدهر ظهر المجن أو أصابهم غضب السلطان، صنيع الفرزدق مثلاً بالحجاج بعد موته وهجا قتيبة بن مسلم بعد مصرعه إرضاء لسليمان بن عبد الملك، وكان قد مدحهما قبل ذلك.
وكان شعراء هذا الحزب يستعينون بطائفة من الحجج لدعم سلطان بني أمية، فهم الذين اختارهم الله لتولي أمور المسلمين ولا راد لمشيئته، وهم أفضل من يتولى الخلافة لما اتصفوا به من عدل وسماحة وحزم وتقوى، وهم ورثة عثمان وأولياؤه، إلى غير ذلك من الحجج.
أما شعراء الخوارج فكان شعرهم يمثل الالتزام العقدي خير تمثيل، فهم إنما وقفوا إلى جانب هذا الحزب بدافع إيمانهم بمبادئه وتشربهم عقائده، لا رغبة في عطاء أو مغنم، ومن هنا اتسم شعرهم بالصدق وتوقد العاطفة. وكانوا يقولون شعرهم عفو البديهة، ولا يجنحون إلى تكلف أو تهذيب، لأنهم ما كانوا يتوخون إرضاء ممدوح أو اجتلاب مغنم، وقد جعلوا شعرهم مجتلى مشاعرهم ومعرضاً لمبادئهم، وعلى أن النثر أقدر على بيان المعتقدات والاحتجاج لها من الشعر نجد أنهم استطاعوا عرض طائفة من معتقداتهم في شعرهم كقولهم بالتساوي بين المسلمين جميعاً في حق تولي الخلافة، لا فضل لقبيلة على أخرى، وكذهابهم إلى إنكار التحكيم بين علي ومعاوية وتكفير علي لقبوله إياه، وغير ذلك من معتقداتهم.
وقد نحا الشيعة نحو شعراء الخوارج في التزامهم بيان معتقداتهم والاحتجاج لها في أشعارهم وعزوفهم عن التكسب بشعرهم - إلا قلة منهم - وكان أقوى حججهم قولهم بأن قريشاً أولى بتولي الخلافة من جميع القبائل وأن آل البيت هم أولى أسر قريش بهذا الأمر لقرابتهم من رسول الله e، وكانوا يأخذون على بني أمية اغتصابهم حق بني هاشم وعدم أخذهم بالكتاب والسنة في سياستهم أمور المسلمين.
وقد شهد العصر الأموي ازدهار فن آخر من فنون الشعر هو الشعر الغزلي الذي تفتحت براعمه في صدر الإسلام، وقد توافرت جملة من الدواعي لازدهار هذا الفن بأنواعه الثلاثة: الحضري والبدوي والنسيب. ازدهر الغزل في حواضر الحجاز، مكة والمدينة والطائف، وكان شعراء الغزل الحجازيون منصرفين في كثرتهم إلى اللهو وسماع الغناء والتعرض للنساء، وقد وجدوا بين أيدهم وفرة من المال أفاءته الفتوح على قومهم فلم يحتاجوا إلى الكد في سبيل كسبه، كما وجدوا أنفسهم بعيدين عن مواطن الصراع السياسي في الشام والعراق وخراسان، فانصرفوا إلى الشعر الغزلي وافتنوا فيه افتناناً ارتقى به إلى مرتبة رفيعة لم يبلغها الشعر العربي في أي عصر من عصوره. وكان رائد هذا اللون من الغزل الشاعر القرشي عمر بن أبي ربيعة.
والضرب الثاني هو الشعر الغزلي البدوي الذي ازدهر في بوادي نجد والحجاز خاصة، وقد عرف هؤلاء بصدق عاطفتهم وعفتهم، ومنهم من قاده عشقه إلى الهلاك، وزعيم هذه الطائفة جميل بن معمر الذي اشتهر بحبه لبثينة.
وقد وقف هؤلاء وأولئك جل شعرهم على الغزل ونهضوا بهذا الفن وأخصبوه بمعان جديدة وصور مبتكرة لم يعرفها الشعراء قبلهم.
والضرب الثالث من الغزل هو النسيب الذي كان الشعراء يأتون به في مطالع قصائدهم، وقصائد المديح خاصة. وقد ارتقى النسيب كذلك والتزمه الشعراء في مطالع جل قصائدهم، وأطاله بعضهم إطالة تلفت النظر كجرير بن عطية.
وقد أدى احتدام العصبيات القبلية عصرئذ إلى وفرة الشعر المقول بدافع العصبية وهو الشعر القبلي. وإلى ظهور ضرب من الشعراء متصل بهذه العصبية وهو المناقضات. وكان الجاهليون قد عرفوا طرفاً من هذه المناقضات ولكن لم يتح لها أن تذيع وتكثر في ذلك العصر. فلما كان العصر الأموي أقبل الشعراء على المناقضات وأكثروا منها إكثاراً يلفت النظر، وكان النصيب الأوفى منها لشعراء الثالوث الفحول: جرير والفرزدق والأخطل، حتى لقد اجتمع لهم منها دواوين ضخمة.
ولهذا الضرب من الشعر أصول التزمها الشعراء المتناقضون، ومنها اتفاق القصيدتين في الوزن والقافية، ونقض كل شاعر معاني خصمه. وقد نهض هذا الفن على أيدي شعراء العصر الأموي وبلغ غاية لم يبلغها في العصور الأدبية الأخرى. على أن مما يشين النقائض ما احتوته من بذاءة لفظية وفحش وهتك للعورات.
وكانت المناقضات تدور في إطارين: إطار العصبية الواسعة بين الجذمين: العدناني والقحطاني، أو بين فرعي عدنان: مضر وربيعة.
والإطار الثاني هو إطار العصبية الضيقة بين قبائل تمت كلها إلى أصل واحد، كالمناقضات بين بني يربوع وبين دارم، وكلاهما من تميم، وشعراء هذه المناقضات هم جرير والفرزدق والبعيث، وكالمناقضات بين ابن ميادة المري والحكم الخضري، وكلاهما من قيس عيلان.
وثمة لون آخر من الشعر عرفه العصر الأموي هو الشعر الزهدي، وهو شعر أوجدته حركة الزهد التي شهدها العصر الأموي وإن لم تبلغ فيه غايتها.
وقد شهد العصر الأموي كذلك ازدهار فن الرجز وظهرت فيه طبقة من الرجاز نهضوا بهذا الفن ونحوا به نحو القصيدة وأطالوه إطالة مسرفة.


1^ إحسان النص. "الأدب العربي في صدر الإسلام والعصر الأموي

محمد بلحاج يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bensaoud51.yoo7.com
 
أثر الإسلام في الحياة الأدبية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تكملة مراجعة العصر الجاهلي وصدر الإسلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى الثقافي والمعرفي :: الركن الأدبي والثقافي :: الأدب العربي :: العصر الإسلامي-
انتقل الى: